محمد أحمد عواد
مقدمة
تسعى هذه الدراسة إلى تقديم صورة وصفية تحليلية لنقد كانط للميتافيزيقا الكلاسيكية. ونظرا لأن هذا الهدف يضعنا وجها لوجه أمام المدونة الكانطية بكاملها، ويتطلب منا فحصا شاملا للتراث الكانطي، وهو ما لا ندعي أننا قادرون عليه في هذه الدراسة. فإن تركيزنا سيكون منصبا على كتاب "كانط " الأساسي "نقد العقل الخالص ".
يمر هذا البحث في مستويات ثلاثة: المستوى الأول، حيث نمهد فيه على المستوى الابستمولوجي النقلة الكانطية من "الفهم " إلى " العقل ". وبزوغ المشكلة الميتافيزيقية. وفي المستوى الثاني، نعرض لإشكالية الميتافيزيقا، من خلال المغالطات التي تنشأ عند محاولة تفسير العالم. أما في المستوى الثالث، فنعرض فيه لإشكالية الميتافيزيقا، من خلال المغالطات التي تنشأ عند محاولة البرهنة على وجود الله.
نجد في مدونة كانط الفلسفية استخدامين للفظ الميتافيزيقا، فهو يطلقها على المعنى الكلاسيكي المنحدر إلينا من أرسطو، مرورا بديكارت ولايبنز، ومعاصري كانط ريماروس Reimarus و فولف ". أما المعنى الثاني فهو الميتافيزيقا كما يفهمهما "كانط "، أوكما يريد لها آن تكون. ونقطة البدء في المشروع الكانطي، الشك في قيمة الميتافيزيقا بوصفها علما، ويستند كانط في هذا الشك إلى مسوغات بسيطة جدا، فمثلا "إذا كانت الميتافيزيقا علما، فلم لم تصادف استحسانا دائما من الجميع مثل سائر العلوم الأخرى؟، وإن لم تكن كذلك، فلم تفاخر بذلك دائما، وتغري العقل الإنساني بالآمال التي يتعطش إليها دائما ولا يحققها أبد آ؟ "(1) ويبين كانط أيضا أن العلوم جميعها تتقدم إلى الأمام "في سيرها دون توقف،(2) بينما نجد أن الميتافيزيقا تقف جامدة لا تتقدم، وإذا كنا نطمع في تفسير هذا الأمر فيجب علينا من وجهة نظر"كانط" تحديد ماهية "الميتافيزيقا " ابتداء.
يبين كانط بصورة فذة أن "الميتافيزيقا"، معرفة غير تجريبية، بل ولا يمكن أن تكون مستمدة من التجربة. وإنما هي معرفة قبلية: lts Principles must never be derived from experince(2) and kant tell us that it is an aprieri Knowledge
نابعة من العقل الخالص، جاءت نتيجة توهم وقع فيه "الاعتقاديون "- القطعيون- عندما تصوروا أنهم قادرون على معرفة الأشياء تبعا لمجموعة من المبادئ الموجودة في العقل، على غرار "المبادئ الرياضية (3) ومن الصحيح أن الفلاسفة السابقين لم يطرحوا الميتافيزيقا بالصورة الكانطية، بوصفها المعرفة التي تتجاوز التجربة، والتي يقدمها العقل، لكن "بوترو"، وهو من " الشراح الجيدين" يؤكد أن تحليل تصوراتهم يؤكد ما ذهب إليه كانط، "وتفنيده قد أصاب الهدف" ولم يقع كانط "في أغلوطة الجهل بالموضوع"(4) كما يمكن أن يتوقع المرء.
لقد بين كانط في الجزء الأول من "نقد العقل الخالص " كيف تصل الاحساسات من العالم الخارجي إلى " الحساسية" المزودة بقالبي الزمان والمكان، ثم كيف تنتقل هذه الحدوس إلى الفهم understanding حيث يخضعها إلى مقولاته الاثنتي عشرة. وبذا يتمكن الفهم من استيعاب عالم التجربة. أما القسم الثاني منه الجدل الترنسندتنالي Trancendental Dialectic فهو الذي يعالج فيه مزاعم الميتافيزيقا التقليدية، وفي مقدمته المعنوئة بالوهم المتعالى Trancendental illlusion، تكمن نقطة البدء.،
يؤكد كانط بصورة دقيقة أن الحواس والفهم لا يمكن من حيث المبدأ، أن يقعا في الخطأ، طالما كل منهما يتبع قوانينه الخاصة، ولكن الخطأ يحدث نتيجة للتأثير الغير مدرك للحساسية في الفهم، وبذا تختلط الأساسات الذاتية والموضوعية للأحكام مما يدفعها عن وجهتها، deviate form their true Function ، وبذا يبرز الوهم على صورة، القدرة على تجاوز الفهم وتوسيعه، فهنا سبب الوهم "خطأ محض لملكة الحكم "، لأن مبادئ الفهم لا يمكنها تجاوز حدود التجربة والخبرة . لكن قد يتساءل المرء أين يقع مقر هذا الوهم؟، هل هو في دائرة الفهم؟. يلجأ "كانط، لتحديد مقر الوهم الذي نشأ، إلى الحديث عن الملكة الثالثة، وهي العقل Reason فالمعرفة تبدأ بالحواس مرورا بالفهم منتهية بالعقل (5) فالفهم يستقبل الكثرة القادمة من الاحساسات ويحاول أن يختزلها في مجموعة من القواعد، أما العقل فإنه يعمل على قواعد الفهم، ويحاول أن يختزلها هو الآخر تبعا لبعض المبادئ، لكن العقل في هذا الأمر يبتعد عن مجال الخبرة والتجربة، فهولا ينظر فيهما، إن أهدافه محددة بصورة دقيقة، وهي إرجاع "تنوع القواعد" في دائرة الفهم إلى وحدة المبادئ من آجل جعل الفهم متسقآ مع ذاته. إئه يستدل بهذه الصورة، وكلمة استدلال تعني أن فعله منطقي من حيث المبدأ.
بين "كانط " أن الفهم له استعمالان: الأول منطقي، والثاني متعالي. أما على المستوى المنطقي، فتنحصر مهمته في تركيب قضايا معينة دون أن يسأل عن مدى صدقها أو كذبها، أما على المستوى المتعالي فإن مهمته هي تركيب قضايا يكون موضوعها، هو ما يؤدي بالفعل المهمة المطابقة له في الواقع. ويعطي كانط للعقل أيضا الصورة نفسها من حيث الاستعمال، فهناك الاستخدام المنطقي، حيث تكون مهمة العقل! هي "إدراج حدس معين تحت قاعدة، فيرجع معرفة جزئية ما، إلى معرفة كلية، لأن الكل هنا شرط لها، لكن هذا الاستخدام لا يقنع العقل، بل يسعى إلى معرفة سبب السبب، وهكذا يتم الانتقال في سلسلة لا مشروطة. ومثال "كانط " المشهور هنا هو القياس التالي.(6):
all men are mortal
Caius is A man
SO Cauis is mortal
أما الاستعمال المتعالي للعقل، ففيه يقوم العقل بتثبيت اللامشروط عند حقيقة كلية، بمعنى أنه يوحدها في وحدة واحدة، بينما هي يجب أن تكون لا مشروطة، وعلى ذلك، فإن العقل يركب في هذه الحالة، والمفروض أن عمله تحليلي، وفي هذا يكمن الخطأ المنطقي الذي يقع فيه العقل، وهو منبع الوهم، إذ إن العقل يسعى إلى تحقيق اللامشروط على صورة موجود واقعي. ومن هنا نشأت معاني العقل الخالص، والتي هي مجموعة من المبادئ المخترعة، إنها باللغة الافلاطونية، "مثل icleas. وكان خطأ افلاطون من وجهة نظر كانط، أنه قد أعطى هذه المثل الوجود الواقعي. وتتصف هذه الأفكار أو المثل عند كانط بمجموعة من الصفات، فهي مفاهيم ضرورية متعلقة بالعقل ذ اته it is a necessary Concepts of reason ولا يمكن الحصول عليها مطلقا من التجربة الحسية إنها مفاهيم العقل الخالص وقد زودتنا بها طبيعة العقل ذاتهthey are imposed the verey nature of reason it self وعليه فهي متعالية على كل تجربة.
أما كيف توصل العقل إلى هذه الأفكار ideas المتعالية، فيجب أن تنتبه هنا إلى أن العقل بحسب كانط يقوم بنشاط منطقي، إنه مكلة ا لاستدلال وما يتوصل إليه من أفكار متعالية تركيبية لا يتجاوز الوحدات الثلاث التالية (7)
أولا: الوحدة المطلقة لموضوع يفكر
ثانيا: الوحدة المطلقة لسلسلة شروط الظاهرات
ثالثا: الوحدة المطلقة لشروط جميع مواضيع الفكر بعامة
وتتعلق الوحدة الأولى، هنا، بعلم النفس، بينما ترتبط الثانية بعلم Cosmology وترتبط الثالثة باللاهوت . ويتم التوصل الى هذه الأفكار من خلال الأقيسة الثلاثة المعروفة:
أولأ: القياس الحمليCategorical syllogism : حيث ننتقل من المحمول إلى الموضوع، وهو المقدمة الكبرى، ثم نجعل المقدمة الكبرى محمولا على موضوع آخر، وهكذا... إن تسلسل المقدمات ينتهي بنا إلى موضوع لا يكون هو نفسه محمولأ وهو الأنا، بوصفها جوهرا لا مشروطا، إئها ذات مطلقة.
ثانيا: القياس الشرطي المتصلhypothetical syllogism : وفيه نقوم بتعليق المشروط على الشرط، ولو تدرجنا في هذه الشروط من مقدمة إلى أخرى، أعلى منها، فإننا ننتهي إلى فرض أول لا يفرض شيئا آخر. وهنا نصل إلى فكرة العالم.
ثالثآ: القياس الشرطي المنفصلdisjunctive syllogism : ويوصل هذا القياس إلى فكرة الله. ويبين كانط أن القياس الأول يقودنا إلى ما يعرف بالقياس الفاسد المتعاليTrancendental paralogism والذي نصل فيه إلى مفهوم النفس، أما القياس الثاني فيقودنا إلى ما يعرف بـ "مناقضة العقل of pure neason والذي نصل فيه إلى مفهوم العالم، أما القياس الثالث فيقودنا إلى ما يعرف بالمثل الأعلىthe ideal of pure reason والذي نصل فيه إلى مفهوم الله.
النفس:
إن القياس الفاسد المتعالي يقودنا إلى مجموعة من القضايا المتعلقة بالنفس، وهي على التوالي أربعة (8).
أولا: the soal is substance
ثانيا: As regards its quality , it is simple
ثالثا: As regards the different times in which it exist , it is numerically identical, that is unity
رابعا: it is in relation to possible objects in space
ونظرا لأن هناك تشابها في الطروحات المتعلقة بهذه القضايا فسنقتصر على عرض حجتي الجوهرية والبساطة.
الجوهرية : المقدمة الكبرى: [ "ان ذاك، الذي يكون تصوره المحمول عليه المطلق لجميع أحكامنا، والذي لا نستطيع لذلك أن نستعمله كتعيين لأي شيء آخر هو الجوهر".
المقدمة الصغرى: "إنني أنا بوصفي كائنا مفكرا، المحمول عليه المطلق لجميع أحكامي الممكنة، وان تصوري هذا لنفسي لا يمكن أبدأ استعماله كمحمول لأي شيء آخر".
النتيجة: "لذلك فأنا بوصفي كائنا مفكرا نفسا (جوهرا)] (9)
فلاحظ أن الموضوع في المقدمة الكبرى، والمحمول في المقدمة الصغرى، طويل نوعا ما، ويمكن اختصاره رمزيا بالصورة التالية:
A is substance
I am A
So I am substance
وقد اقترح "بوترو (10) أن تكون Aفي المقدمة الكبرى هي "ذ ات مطلقة" بينما في المقدمة الصغرى تكون A"ذات محددة". وقد انحصر نقد كانط في إثبات أن الذات ليست واحدة في المقدمتين، في الأولى هي ذات مطلقة، بينما في الثانية، ذات محددة جزئية، وهذا يعني أن القياس قد أصبح مكونا من أربع حدود ومن ثم فهو فاسد، وهذا ما يعرف باغلوطة ا لاشتراك.
البساطة:
[ المقدمة الكبرى: الموجود الذي فعله يفيد موضوعا بسيطا هو نفسه جوهر.
المقدمة الصغرى: النفس موجود فعله يفيد موضوعا بسيطا.
النتيجة: النفس هي جوهر بسيط ] (11)
وكما أخذ كانط على قياس الجوهرية، اختلاف مفهوم الذات بين المقدمتين نجده هنا أيضا يكشف عن عدم توافق المعنى بين البساطة في المقدمتين مما يوقعنا أيضا في اغلوطة الأربعة حدود ومن ثم فالقياس فاسد.
العالم:
إن الفكرة الثانية التي يضعها العقل كوحدة لللامشروط لسلسلة الظواهر، هي العالم أو الكون. وفيما يتعلق بالأفكار الكونية، يرى كانط أن العقل لا يبتكر تصوراته هنا من تلقاء ذاته، بل هو يستند في وضعه لتلك الأفكار إلى الفهم نفسه (12) وكأننا هنا أمام مقولات الفهم نفسها "مطلقة من كل قيود التجربة لكن ليست كل مقولات الفهم توقعنا في الإشكالية التي نحن بصددها، وإنما هناك فقط مقولات أربع، هي:
أولأ: الكمquantity إن الظاهرة (مقدار متحيز في المكان والزمان " وعندما يبحث العقل "عن السلسلة التامة لشروط أي مقدار معلوم " ينتقل تدريجيا إلى فكرة مقدار العالم في الزمان والمكان. بمعنى أن العقل يتطلب هنا "بداية للعالم في الزماني وجدا في المكان، حتى تتوقف سلسلة المشروطات، (12) وسنرى صورة هذا الأمر في التناقض الأول.
ثانيا: الكيفQuality : الظاهرة "من وجهة نظر الكيف... حالة نادرة معينة تشكل موضعا في المكان، وبالتالي تقبل القسمة إلى أجزاء"(13) .
ومعنى ذلك أن العقل يبحث عن الأجزاء، ثم الأجزاء الأبسط، وهكذا حتى نصل إلى فكرة فى العنصر البسيط"، فالعقل يتطلب وجود العنصر البسيط، وسنرى صورة هذا الأمر في التناقض الثاني.
ثالثا: الاضافهRelation : إن الظاهرة (من وجهة نظر الإضافة ليست سوى مجرد مفعول إو من ثم نجد العقل ينتقل من علة إلى أخرى حتى نصل إلى ضرورة وجود شرط مطلق لجميع العلل، بمعنى أننا نصل هنا إلى فكرة العلة الأولىFirst Cause .
رابعا: الجهة Modality : إن الظاهرة "قوة حادثة في حالة تفاعل متبادل مع غيرها من القوى الآلي" (14) وينتقل العقل هنا من ممكن، حادث إلى واجب الوجود، أو الموجود الضروري.
يعرف لنا كانط التناقضات antinomies التي يقع فيها العقل الخالص نتيجة المقولات السابقة، على صورة القضية ونقيضها، مع تقديم البرهان على كل من القضية ونقيضها. وسنقدم صورة لهذا الأمر في الفقرات القادمة.
" التناقض ا لأول ":
القضية: يقول كانط: أي "يوجد للعالم بداية في الزمان، وهو محدود أيضا في المكان ".(15) البرهان:إذا فرضنا، بأنه لا توجد بداية للعالم في الزمان، فهذا الأمر يلزمنا عند نقطة معينة مثلا في الوقت الراهن أن تكون قد مرت قبلها فترة سرمدية eternity، أي بمعنى مرور سلسلة غير متناهية infinite series من أحوال الظاهرة، وهي الآن قد اكتملت، وهذا الأمر يوقعنا في التناقض، لأن معنى اللانهاية، أن هناك سلسلة لا تتم أبدا، وكذلك الأمر في المكان.
نقيض القضية : يقول كانط أي "لا يوجد للعالم بداية في الزمان وليس له حدود في المكان، وانما هولا متناه في الزمان والمكان معا".(15)
البرهان : لو افترضنا أن العالم له بداية. معنى ذلك أن العالم يجب أن يكون مسبوقا بفترة لم يكن فيها شيء. وليس هناك في أجزاء هذه الفترة الخاوية ما يرجح وجود العالم على عدم وجوده.(16)
التناقض الثاني:
قضية : كل جوهر مركب في العالم، مركب من أجزاء بسيطة، ولا يوجد شيء في أي مكان في العالم إلا وهو بسيط أو مركب من أجزاء بسيطة.(17)
البرهان:1-لنفرض أن الجواهر المركبة ليست مكونة من أجزاء بسيطة
2- وإذا أزلنا كل تركيب في الفكر
3- وبذا لن يكون هناك أي جزء مركب ولا أي جزء منفرد.
- ولن يبقى شيء إطلاقا، وكذلك لن يكون هناك أي جوهر بتاتا.
- لكن يحدث أن نقف عند حد معين، هذا ما يقوله "العقل "، ويكون الحل هنا:
آ- إما أن يكون من المستحيل إزالة كل تركيب داخل الفكر.
ب- أو أنه يحدث أن يبقى بعد إزالته شيء ما يوجد بدون تركيب وهو ا لمفرد
وفي ذلك، نحافظ على الجوهر.
نقيض القضية : أي "لايوجد في العالم شيء مركب من أجزاء بسيطة، وعليه، لا يوجد في العالم أي شيء بسيط ".(17)
البرهان:
1- نفرض أن هناك جوهرا مركبا من أجزاء بسيطة.
2- كل تركيب يجب أن يكون في المكان.
3- لذلك يجب أن يكون المكان must be made up مكونا من عدد من الأجزاء مساو لعدد المركب الذي...
4- لكن المكان لا يتألف من اجزاء مفردة وانما من spaces فراغات.
5- وهذا يعني عكس القضية السابقة.
التناقض الثالث:
قضية : ليست السببية المصاحبة لقوانين الطبيعة الوحيدة التي يمكن أن نحصل عليها في العالم، وإنما هناك أيضا نوع آخر من السببية التي تفسر الحرية.(18)
نقيض القضية:
ليست هناك من حرية، وكل ما يحدث في العالم يتفق وقوانين الطبيعة.
التناقض الرابع.
القضية : يوجد كائن ضروري منتم إلى العالم أولجزء منه، أو علة له.
نقيض القضية.
لا يوجد كائن ضروري على وجه الاطلاق، سواء داخل العالم أو خارجه.(19)
- الله-
أشرنا سابقا إلى أن فكرة الله هي المفهوم الثالث المتعالي الذي يضعه العقل كحل لضرورة وجود وحدة مطلقة لشروط جميع مواضيع الفكر بعامة. وقد ناقش (، كانط " هذه المسألة في رسالته المعروفة "السند الوحيد الممكن للبرهنة على وجود الله سنة 1763 هـ، لكن ما يهمنا لأغراض هذا البحث هو الطرح المقدم في "نقد العقل الخالص ". حيث نجد أن العرض الكانطي يمر في مرحلتين، الأولى: وهي الكشف عن الطريقة التي تتكون بها فكرة الله، مرور آمن فكرة المثل الأعلى المنبثق في المثل العليا "ideals"، وفكرة "العلة الأولى" التي تنبت على هامش مقولة " العلية" إلى صورة " ا لله " كحقيقة واقعية، وجوهر شخصي. وأما المرحلة الثانية فهي الفحص النقدي للأدلة المقدمة على وجود الله. وهي ما سنتناوله بالدرس هنا.
يرى كانط أن هناك براهين ثلاثة على وجود الله تنبع من التأمل العقلي.
“there are only three possible ways of proving the existence of god by means of speculative reason “
…”the first proof is the phgsico – theological , the second the cosmolo gical the third the on to logical “ (20)
نقد الدليل الانطولوجي:
يعتبر "انسلم " صاحب هذا الدليل، فهو الذي أشار إليه أول مرة في الصورة التالية: ["ما لا يمكن تصورأكمل منه " لا بد أن يكون موجودا في الواقع وليس في الذهن فحسب، وإلا لو كان موجود في الذهن فحسب لأمكن تصوره موجودا في الواقع أيضا، فلا يكون التصور الأول صحيحا، إذ هناك تصور أكمل منه، بل سيكون تصورا متناقضا،
وإذن فلا بد، لما لا يمكن تصور أكمل منه " أن يكون موجودا في الواقع والذهن معا](21)
ثم جاء ديكارت وطور هذا البرهان في التأمل الثالث من تأملاته، حيث أكد أن "الله جوهر لامتناه، سرمدي ثابت مستقل، كله علم وكله قدرة، وخالق كل شيء... " وأن "فكرة الكائن الكامل اللامتناهي تقتضي وجود هذا الموجود الكامل ".
ويتركز النقد الكانطي لهذه الحجة في أنه لا يمكن أن يستنبط من أي تصور إلا ما هو متضمن فيه من قبل. وفكرة الموجود الحقيقي بدرجة لا نهائية لا يتضمن إلا فكرة الموجود لا الوجود في ذاته خارج الفكر(22).
إن جوهر هذا "الدليل "، هو أن هناك فكرة الكائن الكامل اللامتناهي في ذهني وفكرة الكمال هنا تقتضي أن يكون هذا الكائن موجودا. ويمكننا صياغة الطرح السابق، بالصورة القياسية التالية:
الله، هو الكائن الكامل اللامتناهي.
الوجود، هو كمال.
…الله، موجود.
لكن لا يمكننا إطلاقا أن ننتقل من فكرة الكائن الضروري إلى الوجود الفعلي لهذا الكائن، لأن الكائن الضروري، ما كان عدمه مستحيلا، ومعنى هذا أننا أمام تحديد منطقي، "لا يضع شيئا بنفسه " (23) . وينبني على هذا أن القائلين بهذا البرهان لم يفرقوا بين الإمكان المنطقي وبين الإمكان الواقعي، فما كان ممكنا أو موجودا على مستوى الذهن ليس بالضرورة أن يكون موجودا على مستوى الواقع الفعلي، بالإضافة إلى أن الوجود ليس محمولا... إنه تصور فريد، وضع مطلق... لا يستطيع التخيل أن يستخرجه من أي مفهوم. وليس هناك مشروعية في إيجاد علاقة تأليفية بين تصور " الكائن الكامل "، وبين الوجود، فلا يمكن إطلاقا جعل الوجود ممولا لفكرة الله. كما أننا لم نبرهن على ضرورة الموجود الكامل نفسه ابتداء.
نقد الدليل الكوزمولوجي: يعرض كانط هذا الدليل بالصيغة التالية:
“if anything exists ., An absolutely necessary being must also exist ., now i.at least, exist, therefore an absolutely necessary benig exists “ (24) .
ويمكن ترتيبه على صورة القياس التالي:
أ- إذا كان هناك موجود ما، فيجب أن يكون هناك كائن ضروري كامل موجود.
ب- الآن، أنا على الأقل موجود.
ج- إذن، يجب أن يوجد كائن ضروري مطلق.
نقد كانط هذا الدليل في سنة 1763، حيث فرق بين مرحلتين فيه:
الأولى: الارتفاع من شيء معطى على أنه موجود إلى الكائن ا لضروري.
أما الثانية: الارتفاع من الكائن الضروري، إلى الكائن الكامل.
ويبين كانط أن الارتفاع من وجود عام إلى وجود ضروري بطريقة منطقية بحتة أمر متعذر، إلا إذ ا كان هناك حدس. إن تصور الكائن الضروري ليس تجريبيا، وانما هو تصور بحت، وحتى انتقل منه إلى فكرة الكائن الكامل، يجب العبور من الدليل الانطولوجي.
لقد انطلقت الحجة الكانطية من واقعة أساسية وهي أن الارتفاع من معطى معين مثل (س) إلى الكائن الضروري يتم بواسطة مبدأ العلية. وبحسب هذا المبدأ فإننا ما دمنا في نطاق عالم الظواهر لن نصل إلى العلة الغير مشروطة. ومن ثم عندما يتجاوز هذا العالم، فإن مبدأ العلة لا يحتمل هذا الأمر، لأنه لا يسمح لنا بالانتقال خارج العالم، ولا بالتوقف عند علة غير مشروطة خارجة.
إن قصارى ما يقوله هذا المبدأ أن كل واقعة تفترض علة، لكنه لا يقول أن العلل تفترض علة أولى. وبذا يتبين لنا الفارق بين الدليل ا لانطولوجي والكوزمولوجي، فالأول ينطلق من التصور مباشرة، إلى الكائن الضروري، بينما ينتقل الثاني من الواقع، أما مما هو موجود إلى علة ضرورية، ومن ثم نصل إلى الكائن الكامل.
ويبين كانط أن الدليل الكوزمولوجي يحترم النظام الطبيعي للمعرفة الإنسانية بعكس الدليل الانطولوجي، الذي لا يمثل إطلاقا سير الذهن الإنساني، فهو دليل مصطنع.
نقد الدليل:
حاول "ريما روس " في مقالاته عن أهم حقائق الدين الطبيعي، أن يعطني الدليل اللاهوتي قيمة كبيرة، مكان النقد الكانطي موجها إليه بصورة أساسية. ويعرض إلينا كانط النقاط الرئيسية لهذا البرهان بالصورة التالية (25) .
أولا: انه توجد في كل مكان من هذا العالم علامات واضحة للتنظيم المعتمد المقصود الذي جرى إنجازه بحكمة عظمى، وهو يشكل كلأ كاملا غير قابل للوصف في تنوع محتوياته، ولا نهائية امتداده.
ثانيا: إن ملاءمة هذا التنظيم غريبة غرابة كلية، بالنسبة للأشياء الموجودة في العالم، وهو ينتمي إليها بصورة عارضة فقط، أي أن طبيعة الأشياء المختلفة، تجعلها غيرقادرة أبد آ على التعاون، بصورة تلقائية، وبواسطة مزيج من وسائل عديدة غفيرة، على أهداف محددة، لو لم يتم انتقاء هذه الوسائل وتنظيمها عمدا بواسطة مبدأ عقلاني مدبر، ووفقا بفكر أساسية معينة.
ثالثا: لذلك، فإنه توجد علة سامية ماجدة حليمة (أو الكثير من هذه
اريد ملخص عن كتاب العقل في حدود مجرد العقل
ردحذف